بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا الغاء المقاعد المخصصة للاقليات في برلمان اقليم كوردستان ومن ثم قرار الهيئة القضائية للانتخابات تخصيص خمسة مقاعد برلمانية للمكونات في اقليم كوردستان بواقع مقعدين في محافظة اربيل ( واحد للمسيحيين والاخر للتركمان ) ومثلهما في السليمانية ( واحد للمسيحيين والاخر للتركمان ) ومقعد واحد في محافظة دهوك مخصص للارمن ( اي يجب ان يكون المرشح من الارمن حصرا لان المقعد مخصص لهذا المكون )، اي تقليص مقاعد المسيحيين من خمسة الى ثلاثة، سارعت الاحزاب المسيحية الرئيسية الى اعلان انسحابها من العملية الانتخابية.
لو قيمنا قرار انسحاب الاحزاب المسيحية من العملية الانتخابية وعدم المشاركة فيها، بل وحث جماهيرها على عدم المشاركة والتصويت ( كما يحدث الان مع بعض الاحزاب التي رفعت شعار لن اشارك ولن اصوت )، عاطفيا وانتمائيا نراه قرارا صائبا وجاء كرد فعل طبيعي لما يتعرض له هذا المكون من تهميش ومصادرة للارداة في اختيار الممثل الحقيقي باصوات المكون نفسه، وفي نفس الوقت لو قيمنا هذا القرار سياسيا وحللناه بتروي ودهاء نكتشف انه قرار خاطيء لا يصب في مصلحة المسيحيين بل يزيدهم عزلة ويئسا.
صحيح اننا كمسيحيين لدينا الكثير من الاحزاب القومية!!! التي تتحدث باسمنا ( حتى ان الكثير من هذه الاحزاب الكارتونية لا يتعدى عدد اعضائها ومؤيديها عدد اصابع اليد الواحدة لكن مع ذلك نراهم كل يوم يشكلون تحالفا جديدا باسم جديد ويتحدثون باسم المسيحيين ككل!!! يا لها من كارثة )، لكن اغلبية هذه الاحزاب لا تمتلك رؤية سياسية واضحة، واغلب اعضائها ليسوا، ولن يكونوا، سياسيين بل انتموا لغرض الانتفاع فقط، والرئيس في الحزب الذي يعتبر نفسه السياسي الداهية ما هو الا انتهازي يكرس الامة والقضية لتحقيق اهداف شخصية بحتة، واكبر دليل على صحة قولنا هذا هو احتكار المناصب، منذ تسعينات القرن الماضي ليومنا هذا، والتللذ بامتيازتها من قبل بضعة اشخاص اخر همهم كان قضيتنا القومية لكن رغم ذلك ومع شديد الاسف عرفوا كيف يستغلون المشاعر والعواطف الانتمائية لتعظيم نفسهم الوضيعة وبناء امبراطوريات مالية خيالية.
السياسية ( حسب اعتقادي المتواضع ) ليس محاربة الاسد بعود ثقاب، وبنفس الوقت ليست امتهان الانبطاح لتحقيق اهداف شخصية، وليست شعارات قومية مستحيلة التنفيذ والتحقيق، وليست كلمات مرصوفة لخداع الشعب... بل هي فن التعامل والارضاء، هي الموزانة بين المصالح، هي درء الكارثة باقل ضرر ممكن، هي باختصار متى وكيف.
كان على احزابنا القومية دراسة وضعنا الراهن وخطورة موقفها هذا على مستقبلنا ووجودنا، فبدلا من المقاطعة كان عليها اتخاذ اجراءات ومواقف اخرى اقل سلبية وخطورة على قضيتنا، مثلا التفاوض مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي بفضله وموقفه اعيدت مقاعد الكوتا ولو منقوصة، في الية اختيار المرشح بصورة توافقية، او الاتفاق على دخول الانتخابات بمرشح مدعوم من هذه الاحزاب ككل، لكن الانسحاب والمقاطعة يعني ترك الساحة مفتوحة امام المتملقين والمتاجرين بقضيتنا لفرض زعامتهم، وهذا بدوره يؤدي الى تهميشنا اكثر وابتعادنا عن مصادر القرار اكثر واكثر.
عقدة الانتماء، التي ابتدعها القائد الاوحد ( يونادم كنا رئيس الحركة الديقراطية الاشورية ) للتلاعب بمشاعر المسيحيين ككل والاشوريين بصورة خاصة لاحتكار المناصب وفرض الزعامة منذ تسعينات القرن الماضي في اقليم كوردستان ومن ثم في بغداد بعد اسقاط النظام السابق عام 2003 الى ان انتهت صلاحيته قبل اعوام قليلة، لا زال معمولا بها من قبل بعض احزابنا القومية، لذلك نلاحظ ان كل فرد يخرج من تحت عبائتهم يكون خائنا للامة وقضيتها، وخصوصا اذا كان هذا الفرد عضوا او مؤيدا لاحد الاحزاب الكوردستانية او العراقية، وكأن الاخلاص للقضية يكون بالانتماء لهذه الاحزاب واعلان الطاعة لها، وغاب عن احزابنا القومية ان ما حققه بعض منتمي ومؤيدي هذه الاحزاب للمسييحن ككل فاق ملايين المرات ما حققته احزابنا القومية مجتمعة منذ تأسيسها الى يومنا هذا، والامثلة كثيرة لا داعي لذكرها.
وضع المسيحيين الراهن بحاجة، اكثر من اي وقت مضى، الى دراسة وتحليل وتأني في اصدار القرارات المصيرية، لان قوتنا وحجمنا وعددنا لا يسمح لنا بفرض الشروط، بل علينا استحصال ما يمكن من حقوق ومنافع وانجازات بالتفاوض ودهاء سياسي، وليس بالمقاطعة والتعارض لان مصالحنا الشخصية والحزبية لن تتحقق والمناصب التي تسمناها باسم القومية ستضيع، هكذا تتعامل بعض احزابنا القومية مع واقعنا المأساوي!!!.
همسة:- الشعارات لم تعد تغرينا، وابطال الكلمات لم/لا ينفعونا، فالف طوبى لمن يتعض ويصحح المسار، ومليون لعنة على من كرس قضيتنا لتحقيق مصالحه الشخصية.
كوهر يوحنان عوديش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.