بيت نهرين – عن أبونا
لأوّل مرة، عقد مجلس الأمن الدولي، صباح اليوم الأربعاء 14 حزيران 2023، جلسة على المستوى الوزاري حول "أهمية قيم الأخوة الإنسانيّة في تعزيز السلام والحفاظ عليه"، كُللت بقرار صدر بالإجماع يدعو للتصدي لخطاب الكراهية والتمييز.
ترأست الجلسة السيدة نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الدولة في وزارة الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة التي ترأس مجلس الأمن الدولي خلال الشهر الحالي.
واستمع المجلس إلى إحاطات من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وشيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، وأمين سر العلاقات مع الدول في الكرسي الرسولي رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغير، رئيسة ومؤسسة جمعية عماد للشباب والسلام السيدة لطيفة بن زياتن.
وبعد إدلاء المشاركين بكلماتهم، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 2686 الذي أقرّ بأن خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من أشكال التعصب، يمكن أن يسهموا في اندلاع الصراعات وتصاعدها وتكرارها، كما يمكن أن تقوض تلك الممارسات مبادرات معالجة الأسباب الجذرية للصراع ومنع نشوبه وحله، بالإضافة إلى عرقلة المصالحة وجهود إعادة الإعمار وبناء السلام.
تحالف من أجل السلام
وأوضح أمين عام الأمم المتحدة بأنّ عقد تحالف من أجل السلام، يتجذر في حقوق الإنسان وقيم الأخوة الإنسانيّة، لافتًا إلى أنّ وثيقة "الأخوة الإنسانيّة من أجل السلام العالمي والعيش معًا"، التي وقعها قداسة البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب، تعد نموذجًا للرحمة والتضامن الإنساني. ودعا إلى أن نستلهم جميعًا من هذا الإعلان وأن نجدد التزامنا بالوقوف معا كأسرة بشرية واحدة، قائلا إنه يقع على عاتق الزعماء الدينيين مسؤولية "منع استغلال الكراهية بين أتباعهم".
وقال إنّ الوثيقة تحث الزعماء الدينيين والسياسيين على إنهاء الحروب والصراعات وتدمير البيئة والتكاتف والعمل معًا من أجل خير البشريّة، مؤكدًا أن الزعماء الدينيين هم حلفاء أساسيون في سعينا المشترك من أجل السلام العالمي. وأضاف: إنّ كل دين عظيم يستدعي ضرورات الأخوة الإنسانية والاحترام المتبادل والتفاهم. "هذه القيم العالمية هي جوهر ميثاق الأمم المتحدة وهي في صميم عملنا من أجل السلام والعدالة وحقوق الإنسان".
وحذر من أن الكراهية تغذي أسوأ النزعات البشرية وتمثّل حافزًا للاستقطاب والتطرّف، وممرًا لارتكاب الجرائم الفظيعة، الأمر الذي يساهم في دورات مروعة من العنف يمكن أن تستمر لعقود. وقال: إنّ "شيطنة الآخر وازدراء التنوع وتجاهل حقوق الإنسان ليست شرورًا جديدة على عصرنا لكن الجديد هو سرعة انتشارها ومدى وصولها". كما حذر من انتشار نظريات المؤامرة والأكاذيب السخيفة والمعلومات المضللة على الإنترنت. وقال إنّ الكراهية تمثل خطرا على الجميع - لذا فإن محاربتها يجب أن تكون وظيفة للجميع.
لعدم استغلال الأديان في إشعال الحروب
من جهته، تحدّث الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، في كلمته عن أهمية الدعوة إلى نشر السلام والمحبة بين الشعوب. وشدد على ضرورة عدم التقاعس في التصدي لخطاب الكراهية واستغلال الأديان والمذاهب في إشعال الحروب بين الشعوب، وبث الخوف والرعب في قلوب الآمنين.
وأشار إلى أن هذا ما سعى ويسعى إليه الأزهر الشريف بالتعاون مع الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الغربية والشرقية والمؤسسات الدينية الأخرى، من أجل إحياء ثقافة الحوار والتعارف بين أتباع الأديان، وترسيخ مبدأ السلام والتعايش السلمي. ولفت إلى أنّ الأزهر يعمل، بالتعاون مع العديد من المؤسسات الدينية، على تنظيم تجمع لقادة الأديان ورموزها للتشاور حول هذه الأزمات وتحديد المسؤولية المشتركة في مواجهتها، وبخاصةٍ قضية التغير المناخي وتزايد وتيرة الحروب والصراعات.
وقال: "ما قصدت في كلمتي هذه أن أحدثكم عن الإسلام، ولكن قصدت دعوتكم لإطفاء الحروب العبثية التي اندلعت في العقود الأخيرة، ولازالت تندلع في منطقتنا وفي عالمنا اليوم: أتحدث عن حرب العراق، وحرب أفغانستان وما خلفته من مآسٍ وآلام وأحزان، طوال عشرين عامًا. أتحدث عن سوريا وليبيا واليمن وتدمير حضاراتهم العميقة... وفرار أبنائهم ونسائهم وأطفالهم، من هول حروب لا حول لهم فيها ولا قوة. أتحدث عن مقدساتي ومقدساتكم في فلسطين، وما يكابده الشعب الفلسطيني من غطرسة القوة، وقسوة المستبد، وإني لآسى كثيرًا لصمت المجتمع الدولي عن حقوق هذا الشعب الأبي".
نعاني من مجاعة الأخوّة
من جهته، قال رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغير، أمين سرّ العلاقات مع الدول في الكرسي الرسولي (وزير الخارجيّة) في كلمته: إنّنا "نعاني بالفعل من مجاعة في الأخوة التي تنشأ من العديد من حالات الظلم والفقر وعدم المساواة وكذلك من غياب ثقافة التضامن".
وأضاف: إنّ العولمة "وعلى الرغم من أنها قربت بيننا إلا أنها لم تقوِّ رابط الأخوة بيننا". وأشار إلى أن أسوأ آثار مجاعة الأخوة هذه تتجلى في الصراع المسلح والحرب، التي تصنع عداءات بين شعوب بأكملها، الأمر الذي يتردد صدى تداعياته السلبية على مدى أجيال. وأضاف: "بوصفي رجلاً مؤمنًا، أعتقد أن السلام هو حلم الله للبشرية. لكن للأسف ألاحظ أنه بسبب الحرب، تحول هذا الحلم الرائع إلى كابوس".
وقال غالاغير إنّ بناء السلام حرفة تتطلب الشغف والصبر والخبرة وبعد النظر والمثابرة والتفاني والحوار والدبلوماسية، كما تتطلب أيضًا الاستماع إلى صرخات من يعانون من الحروب، وخاصة الأطفال: "عيونهم الدامعة تحكم علينا: والمستقبل الذي نعده لهم سيكون بمثابة محكمة لخياراتنا الحاليّة".
السلام أقوى من الكراهيّة
وتحدّثت في الجلسة أيضًا السيدة لطيفة بن زياتن، رئيسة ومؤسسة جمعية عماد للشباب والسلام. وبن زياتن هي مغربية فرنسية قُتل ابنها، عماد، في هجوم إرهابي عام 2012. وكانت قد حصلت على "جائزة زايد للأخوة الإنسانيّة" مناصفة مع أنطونيو غوتيريش عام 2021، تقديرًا لجهودها في "نشر روح التسامح والأخوة الإنسانيّة ومحاربة التطرف الديني لدى الشباب".
وشددت السيدة لطيفة، أمام مجلس الأمن، على أهمية السلام "لأنه أقوى من الكراهية" ولكنها استدركت قائلة "غير أن السلام يستدعي جهدًا وعملاً". وقالت إنها ظلت تلاحظ هذا الأمر خلال عملها مع الشباب على تعلم معاني التسامح والعيش المشترك والمحبة.
وأكدت على أهمية التعليم في مكافحة الإرهاب. ومضت قائلة: "نرى الشباب يقعون اليوم في فخ الإرهاب. كيف يحصل ذلك؟ بوصفي امرأة ظللت أعمل على الأرض منذ 11 عامًا لمست بنفسي مدى أهمية التعليم". وأكدت أيضًا على ضرورة أن يتلقى الشباب التوجيه من الآباء والأمهات والمدرسة والمجتمع، محذرة من أنه بخلاف ذلك سيكون الشباب في مأزق. وقال: "رأيت معاناة الشباب الذين تاهت بهم السبل. ولكنني على يقين بأن كل طفل خلق وأبصر النور ليكون سعيدًا ويحصل على مكانته في المجتمع وإن لم يُمنح هذه الفرصة تتعقد حياته وهذا الذي حصل مع قاتل ابني".
نهج استباقي للتصدي لخطاب الكراهية والتطرف
بدورها، أكدت نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الدولة في وزارة الخارجية في دولة الإمارات، على ضرورة الإقرار بأن التصدي لخطاب الكراهية والعنصرية والتطرّف بكافة أشكاله وصوره هو جزء لا يتجزأ من ولاية مجلس الأمن المتمثلة في صون السلم والأمن الدوليين. وقالت إنّ ذلك يأتي أيضًا تنفيذًا للتعهدات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة بأن "ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب... وأن نتحلى بالتسامح، وأن نعيش معا في سلام".
وشدّدت على ضرورة عدم إغفال التحديات الجلية التي يشكلها خطاب الكراهية والتطرّف في العديد من الملفات المدرجة على جدول أعمال مجلس الأمن. وأوضحت أن معالجة هذه التحديات بفعالية تقتضي من المجلس اتباع "نهج استباقي وشامل-يغطي كافة مراحل النزاع- بدءًا من العمل على منعه، ومرورًا بحله إن وقع، ووصولاً لجهود بناء السلام واستدامته".
ولهذا، تقول الوزيرة الإماراتية إن بلادها حرصت على تنظيم هذا الاجتماع، "إيمانًا منا بالحاجة الملحة لتجديد التزامنا المشترك بتعزيز السلام وقيم التسامح والتعايش السلمي، باعتبارها أساس بناء سلام مستدام ومجتمعات سلمية ومزدهرة".
المزيد عن القرار
هذا ويحث قرار مجلس الأمن -الصادر بالإجماع– الدول والمنظمات الدوليّة والإقليميّة على الإدانة العلنية للعنف، وخطاب الكراهية والتطرّف المدفوع بالتمييز، بما في ذلك على أساس العرق أو النوع الاجتماعي أو الدين أو اللغة.
ويشجّع القرار كل الأطراف المعنية، بما في ذلك القادة الدينيون والمجتمعيون ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وأصحاب النفوذ، على الحديث ضد خطاب الكراهية وتطوير ومشاركة الممارسات الفعالة لتعزيز التسامح والتعايش السلمي.
وشدد مجلس الأمن الدولي، في قراره، على أهمية الحوار بين المنتمين للديانات والثقافات ومساهمته القيمة في تعزيز التماسك الاجتماعي والسلام والتنمية. كذلك، شجع المجلس الدول على تعزيز المشاركة الكاملة والمتساوية وذات المغزى والآمنة للنساء وقيادتهن على جميع مستويات صنع القرار في إطار جهود تعزيز التسامح والسلام الجامع والدائم.