تأثير التغير المناخي على التنوع الديني العراقي

تموز/يوليو 01, 2023

بيت نهرين – عن أبونا

مع تصاعد التحذيرات من تأثير التغير المناخي في دول العالم بصورة عامة، وفي منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة، دقت الجهات الحكومية العراقية ناقوس الخطر أمام هذا التهديد الكبير، والذي انعكس على ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، فضلًا عن جفاف بعض الأنهار، وقلة الأمطار، وازدياد العواصف الترابية التي قد تصل نسبة حصولها -بحسب مختصين- إلى (300) يوم خلال السنة، حيث يُعدُّ العراق "خامسًا" بين أكثر الدول تضرُّرًا من التغيرات المناخية العالمية - وفق وزارة البيئة العراقية. وقد أشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التابع للأمم المتحدة إلى أنّ "ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة هطول الأمطار والملوحة وتكرار العواصف الرملية والترابية، هي من التحديات التي يواجهها العراق بسبب التغير المناخي في الواقع... مما سيؤثر سلبًا على إمدادات الغذاء والمياه والضمان الاجتماعي والصحة في العراق".

إنَّ التغير المناخي والاحتباس الحراري، ألقَيَا بظلالهما على الوجود السكاني والديموغرافي في العراق، الذي بدأ يشهد حالات نزوح من الريف نحو المدن، بعد تحول كثير من الأراضي الزراعية إلى أراضٍ جرداء بسبب جفاف الأنهر، حيث إن أغلب سكان العراق يستوطنون مناطق فيما بين النهرين، وأي تغيُّر في ميزان الجغرافية يكون كارثيًّا بكل معنى الكلمة. وهذا طبعًا ينسحب على مجمل سكان العراق، فما بالُ باقي الأقليات التي تعاني بالأصل ضغوطات كثيرة دفعتها إلى الهجرة الخارجية؟!

لعل من المخاطر الخفية، تلك التي تتعلق بالتأثير في التنوع الديني في العراق، وخاصة تجاه الديانة الصابئية المندائية التي تُمارَس طقوسها الدينية على ضفاف الأنهار، إذ التعميد يُعتبر ركنًا أساسيًّا خامسًا بحسب أركان الديانة الصابئية، وولادة جديدة بالنسبة إلى الإنسان، وهو فرض وواجب على الصابئي، ويرمز إلى الارتباط الروحي بين العالمَين المادي والروحي، والتقرب إلى الله من خلال المياه الجارية، لأنها ترمز إلى استمرار الحياة؛ ما يعني أن جفاف تلك الأنهر سيدفعهم إلى النزوح إلى مدن أخرى أو إلى الهجرة إلى دول أخرى، لممارسة تلك الطقوس والعبادات الخاصة بهم. ويكشف "الكنزا برا" عبد السلام جبار (أحد رجال الدين من الصابئة المندائيين): "أن طائفة الصابئة المندائيين يعتاشون على ضفاف الأنهار، وطقوسهم دائمًا تكون في المياه العذبة الطاهرة النقية، وقلة المياه ستؤثر تأثيرًا كبيرًا على الأنهار وتقل مناسيبها، واندفاعات الماء تكون قليلة ويزداد التلوث الموجود فيها، وأيضًا ستكون المياه آسِنة، وبالتالي ستكون غير صالحة لأداء الطقوس الدينية، وهي مشكلة يعاني منها رجال الدين من الصابئة المندائيين".

الأمر ينسحب أيضًا على مناطق الأهوار التي تقع في جنوب العراق، والتي تُعتبر أحد أهم مواطن التنوع البيولوجي في غرب آسيا، إضافة إلى كونها موقعًا للتراث العالمي لليونسكو، وإرثًا لثقافة عرب الأهوار التاريخية، لكن وجودها الآن أصبح مهددًا بفعل عوامل التغير المناخي والأنشطة البشرية غير المستدامة. وقد اقترح تقرير "المناخ والتنمية" الخاص بالعراق، الذي صدر عن البنك الدولي في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2022: "نقاط الأولوية لمجموعة من الإجراءات في ثلاثة مجالات بهدف التصدي لتلك التحديات المجتمعة: 1) التكيف، مع التركيز على العلاقة بين المياه والزراعة والفقر. 2) التخفيف، مع التركيز على خفض انبعاثات الكربون في سلسلة قيمة الطاقة. 3) إدارة تبعات التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون على المالية العامة الكلية".

إن الجهات المسؤولة العراقية مدعوَّة اليوم إلى إيجاد حلول سريعة، لتلافي هذه الأزمة بكل تفرعاتها، لا سيما التي ستؤثر في التنوع الديني العراقي، الذي يعاني أصلًا تداعياتِ الهجرة الكبيرة للأقليات، وترك موطنهم الأصلي بعد الأحداث الأمنية الكبيرة التي طالت العراق خلال العقود الماضية. أيضًا لا بد لأبناء تلك الأقليات والمكونات من الاستعداد للتكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته الطبيعة، والبحث عن مناطق جديدة تكون موطئ قدم، ومقرًّا للسكن والعبادة، بدلًا من تلك المهددة بالزوال.

إن تدويل الأزمات، وخاصة أزمات الأقليات العراقية، كان محلَّ طرحٍ في كثير من اللقاءات والمؤتمرات الدولية. وهنا، لا بد من تدويل هذه الأزمة بالشكل الذي يبعث على الأمل أو الحل المناسب، عن طريق الضغط على دول منابع الأنهار مثل: تركيا وإيران، من أجل زيادة إطلاقات المياه، والتوقف عن بناء سدود جديدة، بعد أن بلغت أعداد تلك السدود العشرات، فضلًا عن التوقف عن عملية تغيير مجرى الأنهار والحُؤول دون دخولها الأراضي العراقية.

لا بد للمجتمع من أن يعي أنَّ المستقبل القريب مملوء بالتغيرات، وأن يعمل على احتواء تلك التقلبات بشكل هادئ وديناميكي سلمي، وأن يعي أنَّ أيَّ خلل في التوازنات المناطقية سيولد حالة من الفوضى الجيوسياسية، التي قد لا تحمد عقباها.