تلاشٍ تدريجي للتنوع الديني في العراق

نيسان/أبريل 11, 2024

بيت نهرين- أبونا

يستحضر العراقيون، مع مرور 21 عامًا على الاحتلال الأميركي، بمرارة مشاهد تلك المرحلة التي عاشوها بما حملت من خيبات لاحقة، تمثلت بالحكومات الهشة، والمشاكل الأمنية وإبراز الهويات الطائفية على حساب الهوية الوطنية، ناهيك عن السرقات الكبرى التي حصلت بحق العراقيين وأحلامهم، وطموحاتهم. ولعل الأقليات في العراق، كان لها النصيب الأكبر من أشكال العذابات والتشتيت، حتى وصلت بها الأحوال إلى اختيار الهجرة وترك العراق، وسط تحذيرات مكررة من نهاية وجود الأقليات.

وتشير مصادر كنسية عراقية تحدثت إلى "العربي الجديد" أن "نسبة المسيحيين في العراق تراجعت من أربعة في المائة إلى أقل من واحد في المائة من مجمل سكان العراق، بسبب أعمال العنف والتضييق والتهميش السياسي وحتى الاجتماعي"، مؤكدة مقتل أكثر من 1300 مسيحي خلال السنوات الماضية بأعمال عنف غالبيتها إرهابية. وكتب بطريرك الكنيسة الكلدانية، الكاردينال لويس روفائيل ساكو، الذي ترك بغداد على خلفية صدور مرسوم جمهوري في تموز العام الماضي ينص على سحب المرسوم الجمهوري السابق الخاص بتعيينه بطريركاً للكنيسة الكلدانية، أن "العراقيين المسيحيين تُنتهك حقوقهم الإنسانية والوطنية المشروعة".

وذكر ساكو، في أيلول الماضي، أن "المسيحيين في العراق يجري إقصاؤهم من وظائفهم، والاستحواذ على مقدراتهم وأملاكهم، فضلاً عن التغيير الديمغرافي الممنهَج لبلداتهم في سهل نينوى أمام أنظار الدولة العراقية". وأكد "مغادرة مليون مسيحي للعراق بعد سقوط النظام، وبعد تهجير عناصر داعش لمسيحيي الموصل وبلدات سهل نينوى عام 2014، لأسباب أمنية (السلاح المنفلت)، وسياسية (منطق الطائفية والمحاصصة الذي صب على العراق نار جهنم)، واقتصادية (الفساد)، واجتماعية (التطرف الديني وداعش)". وقال ساكو، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إنه "غادر من المسيحيين منذ 2003 ولغاية الآن، نحو مليون ونصف المليون، وتشهد مناطق من الموصل هجرة متواصلة لتلتحق بعشرات العوائل الأخرى التي غادرت مدن ومناطق أخرى من البلاد، لأسباب تتعلق بمستقبل مجهول والشعور بالتهميش".

من جهتها، تشير الناشطة من بغداد، ميرنا عماد، إلى أن "الفكرة (الهجرة) تراود أغلب المسيحيين في العاصمة العراقية بعد أكثر من 20 عاماً على الاحتلال، وهذا يعني أن الأوضاع تزداد سوءاً إزاء تواجد الأقليات في البلاد، ناهيك عن تسلط جماعات تدعي أنها تمثل الأقليات سياسياً لكنها في الحقيقة تخدم مصالحها الخاصة فقط". وتبين، لـ"العربي الجديد"، أن "العوائل المسيحية غير مرتاحة في بغداد، وكذلك في نينوى وبقية المناطق، لأنها تشعر أنها مستهدفة، وهناك من يريد النيل منها وإخراجها من العراق للسيطرة على أملاكها".

كما تفيد مصادر سياسية رفيعة من بغداد أن "تغييرات ديمغرافية جرت في مناطق متفرقة من البلاد، تستهدف الأقليات الدينية والعرقية، من بينها الصابئة المندائيين، في بغداد ومدن جنوب البلاد، وتسببت بالتضييق عليهم ودفعهم بطريقة ممنهجة إلى مغادرة البلاد". وتوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "اغتيالات حصلت خلال السنوات الماضية استهدفت عدداً من المندائيين، بحجة خلافات شخصية، لكن في الحقيقة هناك مخطط لإزالتهم وإخراجهم من العراق".

 

الوضع نفسه ينطبق على الأيزيديين والمسيحيين

وتلفت المصادر إلى أن "الوضع نفسه يجري تجاه الأيزيديين والمسيحيين في محافظة نينوى، إذ إن مناطق سهل نينوى باتت تخلو تدريجياً من المسيحيين بسبب سيطرة جماعات مسلحة عليها، بالإضافة إلى الهجرة من مناطق وسط وجنوب العراق إلى الموصل". وتوضح أن "الأقليات تشعر بتهميش وإقصاء وعدم ارتياح من الوجود في العراق، وبالتالي فإنها باتت تلجأ إلى طلب اللجوء الإنساني في عدد من الدول الأوروبية التي تدرك المخاطر التي تواجهها الأقليات العراقية".

وتعرض أخيراً، مندى (معبد) الصابئة المندائيين في محافظة ميسان لهجوم مسلح، ما تسبب بإصابة اثنين من حراسه، وأشعل الغضب في صفوف الطائفة في العراق وخارجه. وأكدت رئاسة طائفة الصابئة المندائيين، في بيان، وقوع "اعتداء مسلح غادر وقع فجر الجمعة 8 آذار (الماضي)على مندى الطائفة في محافظة ميسان"، مطالبة الجهات الأمنية بـ"ملاحقة المتورطين بهذا الفعل الإجرامي الخطير وكشفهم وتقديمهم للعدالة القانونية لينالوا عقابهم". وعلى الرغم من حملة الاستنكارات الشعبية، التي وصفت الاعتداء على مندى "الصابئة" بأنه "عمل غادر واعتداء"، وأنه يهدف إلى تشريد أو تشتيت ما تبقى من المندائيين في جنوب البلاد، إلا أن الحكومة العراقية لم تعلق على الحادثة نهائياً، ولم تصدر أي بيان رسمي بهذا الشأن، ما فسره ناشطون على أنه تخلٍ عنهم، أو عدم اهتمام لأمرهم.

أما الأيزيديون، فحالهم لا يختلف عن حال المسيحيين، فقد زادت هجرتهم من البلاد بسبب تعرضهم لقتل وتهجير وترويع على أيدي عناصر تنظيم داعش، وأيضاً لمضايقات من حزب العمال الكردستاني، الذي ينشط في سنجار، المعقل الرئيسي للطائفة. وفي إبريل 2023، أشارت الأمم المتحدة إلى أن نحو 70 في المائة من الأيزيديين ما زالوا خارج سنجار بسبب انعدام الاستقرار الأمني والسياسي، وتأخر إعادة الإعمار، علماً أن "داعش" كان دمّر نحو 80 في المائة من البنى التحتية و70 في المائة من منازل المدنيين في سنجار ومناطق محيطة بالمدينة. ولا يزال أكثر من 2800 شخص في عداد المفقودين، وبعضهم كان اعتقلهم "داعش"، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.

من جهته، يبيَّن تحسين شيخ كالو، الصحافي الأيزيدي المتخصص في شؤون الأقليات، أن "التغيير من النظام الديكتاتوري إلى الديمقراطي شهد تغيراً في وضع الأقليات أيضاً، نحو الظلم والاضطهاد والتهجير والقتل، وأن الدستور العراقي الذي وضع في العام 2005 كان خالياً من ضمان حقوق الأيزيديين كمكون عراقي أصيل، بل تحوّل المكون إلى أقلية غير معترف بها". ويوضح، لـ"العربي الجديد"، أنه "قبل عام 2003، كان النظام السابق ديكتاتورياً وشديداً، لكن وضع الأيزيديين كان آمناً، إذ لم يتعرض المكون لإبادة جماعية، أو يتم تكفيره عبر المنابر". ويضيف شيخ كالو أن "الأيزيديين يطالبون الحكومة العراقية أن تعترف بهم كعراقيين، وليس أقلية من الدرجة الخامسة، لأن هذا المكون حالياً مسلوب الحقوق ولا يملك فعالية حقيقية في مؤسسات الدولة، حتى من حيث مقعد الكوتا في البرلمان العراقي، فإن حصة الكل أكثر من حصتنا، مع العلم أننا أكثر منهم كأقلية".